جاء إعلان المحامي ممدوح رمزي عن ترشحه

جاء إعلان المحامي ممدوح رمزي عن ترشحه كأول مرشح قبطي،* ‬وبشكل مبكر،* ‬لانتخابات الرئاسة في* ‬2011* ‬ليثير جدلا واسعا خاصة بين القوي التي تتصارع من أجل إثبات وجودها علي الساحة السياسية*.‬
*‬ولاشك أن أول هذه القوي المعنية بهذا الأمر هم جماعة الإخوان* »‬المحظورة*«. ‬جاء إعلان قرار ممدوح رمزي مواكبا للدعوة الإلكترونية التي أطلقها عضو الكتلة البرلمانية للإخوان مجدي عاشور،* ‬خلال عيد الفطر،* ‬والتي طالب من خلالها الحكومة المصرية إلي فتح ما أسماه بـ* »‬الحوار الجاد الحكيم*« ‬مع أقباط مصر،* ‬ليطرح كما كبيرا من التساؤلات لعل في مقدمتها*: ‬ماذا لو وصل الأقباط إلي الحكم*.. ‬كيف سيكون موقف الإخوان تجاه ذلك؟*.. ‬وعلي نفس الطرح*: ‬ماذا سيكون موقف الأقباط،* ‬إذا وصل الإخوان إلي الحكم؟ إن الأمر المؤكد أن ثمة مشكلة مستعصية أو متفاقمة بين الطرفين،* ‬وإن كانت بعض الرموز القبطية تشير إلي أن الإخوان يجيدون اللعب بورقة الأقباط وتحقيق أكبر استفادة ممكنة منها ـ علي الصعيدين الداخلي والخارجي*.‬
إضافة إلي أن الإخوان متلونون* .. ‬رغم مبادرات الحوار بينهم وبين الأقباط خلال السنوات الماضية*.. ‬فمرشد الإخوان الأول حسن البنا ومؤسس الحركة قال في مدح من مدح اليهود وبني إسرائيل مالم يقله كاتب عربي من قبله أو بعده*.. ‬يقول الشهيد حسن البنا*: »‬إن القرآن الكريم عني بقصة بني إسرائيل وذلك بسبب كرم عنصر هذا الجنس وفيض الروحانية القوية التي تركزت في نفسه،* ‬لأن هذا الجنس انحدر من أصول كريمة،* ‬لهذا ورث حيوية عجيبة لم يظفر بها جنس كما ظفروا بها*«.. ‬وينهي الشيخ حسن البنا كلامه في مدح اليهود قائلا*: »‬وإن اليهود وطنهم الأصلي* .. ‬فلسطين*«. ‬وفي إطار هذا التلون يمكن فهم اتجاه جماعة الإخوان للحوار مع الأقباط باعتباره نوعا من مغازلة الأمريكان عن طريق ورقة الأقباط،* ‬لتوصيل رسالة مفادها أن الجماعة يمكنها فتح قنوات اتصال إيجابية مع كافة فئات المجتمع* (‬خاصة الأقباط*).‬
وفي المقابل،* ‬فإن الأقباط يرون أنه لن يكون هناك تلاقٍ* ‬مابين الأقباط والإخوان،* ‬كما عبر عن ذلك ممدوح رمزي،* ‬بسبب إصرار الأقباط علي مدنية الدولة،* ‬والإخوان علي أسلمة الدولة*.. ‬مشبها العلاقة بين الطرفين كالعلاقة بين الناقد والفنان*.‬
*»‬آخر ساعة*« ‬تستطلع ردود الأفعال لدي الطرفين*.. ‬وترصد حالة الجدل الدائر بين الفريقين في محاولة لنقل صورة من قريب للقوي المتصارعة علي الساحة السياسية*.‬
العلاقة مابين الإخوان المسلمين والأقباط علاقة علي طرفي النقيض،* ‬بدأ الحديث عنهما يطفو علي الساحة السياسية للمجتمع المصري الذي تاثر وعاني منذ السبيعينات فترة وهي الفترة التي واكبت صعود وتنامي التيار الإسلامي الذي أعقبه انغماس المجتمع وانشغاله بالكثير من المظاهر الدينية التي استدعت حالة من الحوار والنقاش حول مصطلح المواطنة،* ‬الذي فرض ضرورة الحوار مابين الطرفين في ثلاثة لقاءات هامة بدأت في الثمانينات وتكررت في التسعينات وكان آخرها في عام* ‬2005 *.‬
ورغم تعدد اللقاءات في محاولة للفهم والتقارب ما بين الجانبين والتي انتهت وتوقفت جميعها بلا فهم ولاتقارب،* ‬وظل الأمر هكذا حتي أعلن المحامي ممدوح رمزي عن اعتزامه الترشيح لانتخابات الرئاسة المقبلة في عام* ‬2011 *‬وكان وراء إعلانه المبكر ما تنامي إليه من عدم قبول الإخوان بترشيح قبطي لرئاسة الجمهورية بدعوي أنه أمر* ‬غير جائز شرعا،* ‬وهو ما أكده من جديد لـ»آخر ساعة*« ‬الدكتور محمد حبيب النائب الأول لجماعة الإخوان*.‬
ولقد أثار ظهور جماعة الإخوان المسلمين عند تأسيسها عام* ‬1928* ‬مخاوف القوي السياسية والاجتماعية في المجتمع المصري خاصة بعد تبلور المشروع السياسي للجماعة ووضوح أهدافها للوصول إلي الحكم والسلطة،* ‬مما جعل المخاوف تزداد لدي الأقباط وخاصة بعد العديد من الاتهامات التي وجهت للجماعة بعداوتها للأقباط والمطالبة فيما بعد باعتبارهم من* ‬أهل الذمة* ‬والتي تطورت بعدما بدأت الجماعة في المشاركة السياسية بإعلانها فيما يتعلق بالأقباط بأن* (‬لهم ما لنا وعليهم ما علينا*) ‬ونتيجة لهذا يعزي البعض ظهور* (‬جماعة الأمة القبطية*) ‬في11 سبتمبر عام* ‬1951 كنتيجة لظهور جماعة الإخوان وكان الهدف من تأسيس الجماعة وقتها هو الدعوة الي إحياء القومية القبطية لمواجهة الفكر المغرق في الاتجاه الديني الذي روجت له جماعة الإخوان المسلمين،* ‬الجمعية أسسها محام أب كان عمره عشرين عاما وكان مركزها القاهرة وانتشرت في جميع أنحاء مصر،* ‬حتي انه بلغ* ‬عدد أعضائها* ‬92000 عضو كان أغلبهم من الشباب،* ‬وأعلنت الجماعة أن* ‬غرضها ديني،* ‬اجتماعي وتسعي لرفاهية الكنيسة الأرثوذكسية ولا علاقة لها بالسياسة،* ‬ورغم النجاح الذي حققته بين الشباب الا أنها لم يكتب لها أن تستمر بعدما اتخذت منهجا متشددا ضد البطريرك يوساب الثاني حتي أنها قامت باختطافه مما أدي الي خلق حالة من النفور لاستخدام العنف الذي انتهجته الجماعة وهو أمر مخالف لطبيعة الأقباط مما أدي الي حل الجماعة واختفائها،* ‬وتبني بعض من كبار الكتاب والباحثين الربط مابين ظهور جماعة الأمة القبطية للدفاع عن مصالح الأقباط أمام ظهور الإخوان المسلمين من أمثال الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل والدكتور* ‬غالي شكري الأ أن مفكرين وباحثين أقباطا لايوافقون علي هذا الربط ويعتبرونه* ‬غير صحيح علي الإطلاق ويستدلون بذلك علي* ‬عدم استمرار الجماعة واختفائها ورفض الأقباط لها،* ‬وتصاعدت الأحد اث في السنوات التالية ليبرز بعد ذلك دور أقباط المهجر وتعلو أصوات حادة لبعض الجمعيات التي تطالب بحقوق الأقباط وهي ترتدي العباءة الدينية صارخة بلهجة شديدة الحدة والتطرف والتي رفضها* ‬غالبية الأقباط في مصر وكان آخرها الجمعية التي دعت الي إضراب بمناسبة رأس السنة القبطية،* ‬ورغم المعارضة الواضحة لدعوة الإضراب من رموز الكنيسة ومن المفكرين والمثقفين الأقباط الا أن تجمع سبعة آلاف قبطي داخل كنيسة في عزبة النخل مؤخرا يشير الي أن الدعوة لاقت بعض القبول لدي البعض*.‬
أقباط المهجر*.. ‬والإخوان
وهو ماجعلنا نطرح تساؤلا ونبحث عن إجابته لدي المتخصصين عن دور بعض منظمات أقباط المهجر وهل أصبحوا المقابل لجماعة الإخوان المسلمين؟ خاصة بعد فشل لقاءات متعددة ضمت أقباط الداخل وبعض رموز الإخوان،* ‬
*< ‬الباحث في الشئون السياسية سامح فوزي له رؤية حول العلاقة مابين الإقباط والإخوان*: ‬فهي* ‬علاقة شديدة السطحية وعادة ما يقترب الإخوان من الأقباط بهدف استمالتهم للمشروع الإسلامي أو علي الاقل تحييدهم،* ‬وليس الهدف من الحوار القبطي الإخواني الاستماع المتبادل،* ‬فنظرة الإخوان للأقباط معقدة جدا،* ‬فالإخوان ليسوا بكيان واحد فهناك مجموعة منهم تمارس العمل السياسي وترغب في رفع عبء الفتاوي الدينية عن كاهلهم،* ‬والفريق الثاني منهم هو أقرب الي السلفية في نظرته الي الأقباط،* ‬فهما فريقان يعملان ما بين السياسي والدعوي ولنعطي مثالا عن التيار الذي يعمل بالسياسة بمأمون الهضيبي ابن* ‬المرشد الهضيبي نفسه الذي دعا الي إنشاء حزب ديني قبطي وعندما أطلق هذه الدعوة،* ‬كان يدعو إلي مشروع ديني إسلامي فرأي أن من مصلحته السياسية أن يكون هناك مشروع ديني مسيحي حتي يستحوذ هو علي الأغلبية وينتهي المشروع السياسي وهو أمر* ‬غير حقيقي لأن الأقباط منهم المحافظ والليبرالي ولايمكن اختزال الجميع في مشروع ديني فهو أمر* ‬غير مجد،* ‬أما التيار الدعوي داخل الإخوان ومن رموزه جمعة أمين،* ‬وعبدالله الخطيب فله نفس نظرة التيار الديني السلفي،* ‬بمعني التأكيد علي أنهم من* ‬أهل الذمة* ‬والنظرة للأقباط علي أنهم مواطنون من الدرجة الثانية والدليل الفتوي التي أطلقها عن حكم بناء الكنائس في أغسطس عام* ‬1980 ونشرت في مجلة الدعوة وجاء فيها أن البلاد التي فتحها المسلمون بالقوة تهدم فيها الكنائس والتي استسلمت لايجوز هدم الكنائس بها وإنما لايجوز ترميمها أما المدن الجديدة فلا يجوز بناء كنائس بها* ‬
ولكن هذه الفتوي تحديدا تم التراجع عنها*.. ‬فهل مثل هذا التراجع إشارة مطمئنة للأقباط ؟
هم يقولون إنهم تراجعوا عنها ولكن مازال البعض يطلق فتاوي علي* ‬غرار لاتبادر بالسلام علي القبطي،* ‬ومعظم الحوارات التي جرت ما بين الأقباط والإخوان انتهت الي لا شئ ولايوجد خروج من الدائرة المفرغة،* ‬فحتي كل من كان بداخل الإخوان وخرج منهم يقولون إن الإخوان في الذهنية العميقة لايطيقون الأقباط ويتحايلون علي ذلك بمختلف الطرق،* ‬فعندما تدخل الإخوان لإسقاط وجيه شكري في دائرة المنيا،* ‬قيل لهم لماذا لاتساعدونه؟ فقالوا*: ‬وهل هو مسيحي حقيقي؟ هو رجل يساري*. ‬
والمشكلة الحقيقية في التعامل مع الإخوان أنهم يضعون أجندتهم السياسية في قالب ديني،* ‬ومن يقترب منهم فهو يقترب من الدين وحتي عندما قدموا أجندتهم السياسية فهم لم يقدموا حلولا مختلفة عما قدمته الأحزاب الأخري ما عدا تعقيبه بأن مشروعه سيتم حسب التوجه الإسلامي* !‬
وستظل المشكلة قائمة مالم يتم الفصل مابين الدعوي والسياسي وستنتهي إذا وضع الإخوان برنامجا سياسيا متكاملا بعيدا عن الهوية الدينية ووقتها لن يمتنع الأقباط عن المشاركة وغيرهم من القوي السياسية التي تأخذ موقفا من الإخوان وأشير هنا الي مشروع حزب الوسط الذي قدم اجتهادا جادا يستحق الدعم فهو تحدث عن مبدأ المساواة يشكل مطلق وهو برنامج حديث لحزب إسلامي فصل بين الدعوي والسياسي بشكل واضح
استبعاد الإخوان
*< ‬يوافق ممدوح رمزي أول مرشح قبطي* ‬يعلن ومبكرا عن قرار ترشيحه لانتخابات الرئاسة في* ‬2011علي ضرورة استبعاد الإخوان بوضعهم الحالي من العملية السياسية مستندا في ذلك الي رفضه الكامل للأحزاب الدينية*.‬
وحدد المحامي موقفه مبكرا من الإخوان قائلا*: ‬علي الإخوان اذا أرادوا العمل في السياسة أن ينخرطوا في الأحزاب السياسية بدون الاستناد علي مرجعية دينية فالإخواني مصري من حقه مباشرة العمل السياسي*.. ‬إذا* ‬غيروا من أيدولوجيتهم وتعاملوا من منطلق الدولة المدنية*. ‬
ـ ويري أنه لن يكون هناك تلاقٍ* ‬ما بين الأقباط والإخوان المسلمين بسبب إصرار الأقباط علي مدنية الدولة والإخوان علي أسلمة الدولة وشبه العلاقة بينهما كالعلاقة ما بين الناقد والفنان* .‬
*< ‬وحول رؤيته المستقبلية في التعامل مع جماعات أقباط المهجر التي تحتمي بالدين عند إثارة القضايا المتعلقة بالأقباط؟
قال* :‬أنا أرفض القبطي المهجري الذي يتخذ نفس مسار الإخواني أرفضه شكلا وموضوعا وما فعلته الجماعة التي دعت الي الإضراب في رأس السنة القبطية تصرف خطأ ومرفوض فهي دعوة فئوية وطائفية وتغذية للطائفية ولا مكان لأصحاب مثل هذه الدعوات في البرنامج الخاص بي فأنا أريد مواطنا مصريا أولا واخيرا* .‬
*< ‬وهل تري إمكانية للتعامل والحوار مع شباب الإخوان الذين قد تكون لديهم أجندة مختلفة؟
ـ الأجندة الوحيدة التي أقبل بالتعامل معها هي المواطنة والالتزام بالعمل السياسي بعيدا عن التصنيف الديني ثم إنني وبصراحة شديدة أري أن الإخوان المسلمين لايشكلون مشكلة حقيقية أمام تيار المستنيرين من المسلمين الي جانب أنهم لن يتحولوا إلي أغلبية أبدا فأنا مؤمن أن الإخوان ليست لهم هيمنة حقيقية علي الشارع المصري*. ‬
كانت تلك هي رؤية ممدوح رمزي المرشح القبطي لانتخابات الرئاسة فيما يتعلق بالإخوان*. ‬
خمس إشكاليات
وعلي جانب آخر تبدو الرؤية أشد وضوحا من خلال* ‬الكاتب والمفكر سمير مرقص* ‬الذي سجل رؤيته من خلال ورقة عمل تم النقاش حولها في ديسمبر* ‬2005 *‬ونشرها في كتاب بعنوان* ‬*»‬الأقباط والصعود السياسي للإخوان* ‬والإخوان والشأن القبطي قضايا معلقة*«‬*.. ‬محاولة للفهم من أجل جماعة وطنية واحدة ومتماسكة علي قاعدة المواطنة رصد من خلالها خمس إشكاليات تتعلق بموقف الجماعة من الأقباط صنفها كالتالي*:‬
*< ‬الطائفية النصوصية والفكرية* ‬وقصد بها التعامل مع النصوص وتفسيرها بما يدعم المناخ الطائفي،* ‬فالقراءة المتأنية حول الموقف من الأقباط تعكس بحسب أحد الباحثين قراءة قلقة،* ‬فالاختلاف في الدين مسألة يترتب عليها تفاوت في الحقوق والواجبات في الدنيا والآخرة من وجهة النظر الإخوانية من خلال مجموعة رسائل الإمام حسن البنا وعلي سبيل المثال ما جاء في رسالة التعاليم يقول*: "‬حول حديثه عن إصلاح الحكومة حتي تكون إسلامية بحق* .. ‬فإن المصود هو تحول العمل العام السياسي والاجتماعي إلي عمل ديني يصبح بموجبه التنافس في هذا المجال أو الشأن بين إسلام وإسلام،* ‬بين مسلمين وغيرمسلمين،* ‬وليس بين تيارات وتوجهات وأفكار متنوعة وقابلة للاختلاف،* ‬فرفع شعار الإسلام هو الحل جعل من مجال مدني الطابع أن يصبح دينيا ويجعل التنافس السياسي والمدني تنافسا مع مطلق وهو ما يحمل ضمنا إعادة تقسيم المجال العام علي أساس ديني ومن ثم يصبح الأقباط بالنتيجة كتلة دينية طائفية
*< ‬وعندما يتطرق الي الحديث عن حدود المساواة وتكافؤ الفرص فيما يتعلق بقضايا مثل تقلد المناصب العامة وحدود الفهم العملي والتطبيقي لمفهوم الولاية فيقول*:‬* "‬من الأمانة أن أشير إلي ما هو متواتر أن هناك تصورا لدي البعض في الجماعة بعدم التسليم بالمساواة الكاملة انطلاقا من أن الإسلام لايرتب لأهل الجزية* ‬غير الحماية وحرية الاعتقاد والممارسة الدينية والرحمة،* ‬في مقابل أدائهم للجزية حيث لايزال صدي فتوي الأستاذ مصطفي مشهور في التسعينيات ذات تأثير كبير* ‬بالإضافة إلي نص الإمام حسن البنا في رسالة السلام في الإسلام وما جاء فيها حول الجزية والذمة*" ‬
*< ‬وعن حرية المعتقد وإقامة الشعائر الدينية* ‬تأتي النقطة الرابعة والتي يطرحها الكاتب فيقول"في هذا المقام تثار كثير من التساؤلات حول إعمال المادة* ‬46 *‬من الدستور المصري علي أرض الواقع من حيث حدود هذه الحرية والتمكين من إقامة الشعائر الدينية،* ‬وبخاصة أن حكم بناء الكنائس في الإسلام بحسب ما جاء في مجلة الدعوة لا يجيز بناء كنائس في المواقع التي استحدثت وفي البلاد التي فتحت بالقوة ولايبيح إلابقاء الكنائس في البلاد التي فتحت صلحا ومنع بناء وإعادة ما هدم منها*.‬
ويتطرق سمير مرقص الي النتائج التي تترتب علي إعادة تقسيم المجتمع علي أساس ديني واستعادة مفاهيم الذمة والطائفة والملة والأقلية،* ‬ويخلص الي أنها مفاهيم تتناقض مع مفهوم المواطنة،* ‬الذي يعني أن المواطنين يتحركون* ‬في إطار جماعة وطنية جامعة للجميع وبغض النظر عن أي اختلاف ومن ثم تتحقق دولة المواطنة،* ‬وعليه تصبح المصلحة العامة المشتركة هي المعيار الرئيسي الذي يحكم حركة المواطنين فيتحقق ما يعرف بالاندماج الوطني،* ‬ويطرح الكاتب نموذجا تاريخيا للتقريب عن معاناة المصريين معا بدون تمييز ما بين القبطي والمسلم باستعادة النموذج* "‬الملي"الذي تأسس إبان الدولة العثمانية عندما وحدت المعاناة المشتركة بين المسلمين* ‬والمسيحيين من نظام الحكم الجائر ثلاثي النظام* "‬الوالي،* ‬المماليك،* ‬الأوجاقات* "‬حيث كان عليهم دفع المال ولم يعف التوافق الديني المسلمين من دفع المال أيضا*".‬
ويختتم الكاتب رؤيته للحوار بأن هذه النقاط يمكن طرحها حول موقف الجماعة من الأقباط ويقول أتصور أنها جديرة بالتحاور حولها بغير حساسيات طالما كان الهدف الأسمي الذي يجمع بين المصريين هو الصالح العام من جهة وأهمية الدفع إلي تحقيق الاندماج والتكامل بين الجميع في إطار جماعة وطنية* ‬واحدة ودولة مدنية حديثة علي قاعدة المواطنة*.‬
خطاب متناقض
وبينما تري الآراء السابقة أن الخلاف بين الإخوان والأقباط يرتكز علي أن الجماعة لا تتعامل مع* ‬غير المسلمين علي أرضية بعيدة عن المواطنة،* ‬فإن* ‬الدكتور رفيق حبيب* ‬يري أن بعض المواقف التي يعلنها الأقباط في مواجهة الإخوان المسلمين مرتبطة بموقفهم هم السياسي حيث ينحازون إلي النظام العلماني وهو ما نجده لدي بعض النخب القبطية،* ‬فهو تعبير عن الموقف العلماني الذي يرفض أي دور للدين في السياسة،* ‬فهناك خطاب قبطي يطالب بالعلمانية رغم أن ممارسات النخبة القبطية ممارسات دينية وتقوم علي تأكيد دور الدين في الحياة*.‬
وهنا يبدو التناقض* ‬في الممارسة ما بين الحفاظ علي الدين وخطاب يمارس العلمانية*.‬
*< ‬هل كان هذا الخلط وراء فشل أو عدم جدوي الحوارات مابين الأقباط والجماعة؟
ـ الحوارات كلها لم تستمر وتوقفت*. ‬وإذا تطرقنا لحوار عام1992 نجد أنه كان متشعبا وتوقف فهو كان معنيا بموقف الأقباط من المشروع الإسلامي والاختلاف ما بين العلمانية والإسلام وهي قضية دائما ما يحدث بها خلط*. ‬فالقضية الهامة هي موقع الأقباط من المشروع الإسلامي أما قضية العلمانية والإسلام فهي تحتاج لتوجه خاص*. ‬
وفي رأيي أن حوار2005 *‬بدأ بشكل أفضل وتطرق لمناقشة القضية المعنية وكان يركز علي موقف الحركة الإسلامية من القضايا الأساسية التي تهم الأقباط وتخص حقوقهم ووضعهم القانوني والسياسي فكان الحوار في صلب الموضوع ومع ذلك انقطع الحوار بفعل فاعل حتي تظل الشعرة مقطوعة ما بين الأقباط والإخوان*.‬
ولن يتغير هذ الأمر إلا إذا حدث حوار جاد ما بين الأقباط والإخوان وحينها يتأكد الأقباط أن المشروع الإسلامي لن يؤثر عليهم بالسلب وبالتالي سيعكس هذا التوجه وجود رغبة حقيقية للوصول إلي نقطة تفاهم*.‬
نحن اتفقنا أننا لايمكن أن نتحدث عن الأقباط بالعموم في ظل وجود تيارات مختلفة*.‬
*< ‬لكن هل تقبل منظمات أقباط المهجر بحوار مع الإخوان؟
ـ بعض جمعيات أقباط المهجر ذات الصوت المرتفع هي ليست ضد جماعة الإخوان المسلمين فقط بل هي ضد الهوية العربية والإسلامية للمجتمع المصري وضد المادة الثانية من الدستور وتعتبر أن العرب* ‬غزاة وتطالب بتخليص المسلمين من هويتهم العربية حتي يكونوا مصريين أصلاء والأمر وصل إلي المدي الخطر وأصبحت رؤية المسلمين لهويتهم تختلف عن رؤية* ‬غالبية الأقباط لهويتهم وانتقلت المعركة من المجال السياسي إلي المجال الاجتماعي وهوما نراه في أوجه الخلاف في المجتمع المصري الآن فالخلاف الفكري ما بين الإخوان المسلمين وما بين جمعيات أقباط المهجر نتج عنه مواجهة سياسية*.‬
الأقباط في مرمي نيران الإخوان
بالطبع لم تكن الدعوة الإلكترونية التي أطلقها عضو الكتلة البرلمانية للإخوان،* ‬مجدي عاشور،* ‬خلال عيد الفطر،* ‬والتي طالب من خلالها الحكومة المصرية إلي فتح ما أسماه بـ"الحوار الجاد والحكيم*" ‬مع أقباط مصر،* ‬من قبيل الصدفة أو* ‬غير مرتب مسبقاً* ‬لمضمونها أو لتوقيت إعلانها،* ‬وإنما هي ترمي ــ وكما جاء نصاً* ‬في البند الثالث من وثيقة فتح مصر الإخوانية والتي كشف النقاب عنها في نوفمبر* ‬2005 ــ إلي* "‬شغل الرأي العام* (‬دوماً*) ‬بالإخوان واستخدام النقد الإعلامي* (‬المتوقع*) ‬الذي يتم توجيهه للجماعة لخلق حالة من التعاطف حولها*".. ‬حتي ولو تم ذلك بإثارة الفتن أو بالنفخ في موضوعات حساسة أو محل خصوصية فائقة،* ‬كتلك التي تتعلق بالأقباط*.‬
كما لا تبدو الدعوة المريبة مبادرة شخصية من نائب دائرة المرج والنزهة والسلام،* ‬وإنما هي حلقة* - ‬جديدة في مسلسل المزايدات المستمر والمتواصل من قبل قادة وأعضاء الجماعة* "‬المحظورة قانوناً*" ‬تجاه الدولة المصرية،* ‬وتجاه رموزها،* ‬بغية إحراجها أمام الرأي العام في الداخل والخارج،* ‬أو كما يقول* ‬عضو مجلس شوري جماعة الإخوان المسلمين المفصول،* ‬الدكتور عبدالستار المليجي،* ‬لأجل الاصطياد في الماء العكر ودق إسفين بين الدولة وشريحة مهمة من النسيج الوطني المصري بالزعم أن ثمة مشكلة مستعصية أو متفاقمة بينهما*. ‬وهو بذلك ــ والكلام لايزال للمليجي ــ لا يختلف كثيراً* ‬عن بعض منظمات أقباط المهجر التي تعمل علي إثارة مشكلات* ‬غير واقعية في مصر تصب مباشرة في مصلحة أجندات خارجية خاصة*. ‬
الدكتور المليجي يري كذلك أن النائب الإخواني زايد علي الدولة في موضوع لا يحتمل المزايدة،* ‬كما أن الدولة حريصة كل الحرص علي رعاية مصالح الأقباط،* ‬وإذا ما فرضنا أن هناك مشكلة بالفعل،* ‬فللأقباط رموز فكرية وسياسية يمكنها الحديث مباشرة مع الدولة في هذا الشأن دون الحاجة لوسيط أو تذكرة من أحد*.‬
ويعتبر المليجي أن الإدارة الحالية في الإخوان* (‬وأغلب أفرادها من بقايا التنظيم السري للجماعة* ‬أو من تلاميذ* ‬المرشد الأسبق الحاج مصطفي مشهور مثل محمود* ‬غزلان ومحمود عزت*) ‬هي المسئولة عن إثارة الأزمات مع الأقباط،* ‬لاسيما أن اتجاهات تلك الإدارة* ‬تكفيرية،* ‬ومن ثم فإنها تعتبر* ‬غيرها* "‬مسلمين وأقباطا*" ‬علي حد سواء،* ‬أهل جاهلية وجزء من مجتمع جاهل*. ‬مشيراً* ‬إلي أن لعب الإخوان بورقة الأقباط من آن لآخر يأتي في إطار من النفعية والرغبة في تحييدهم في السجال الدائر بين الجماعة والدولة،* ‬إضافة إلي الإيحاء بوجود علاقات إخوانية طيبة مع جموع الأقباط عبر التودد واستقطاب أسماء قبطية مغضوب عليها كنسياً* ‬أو ليست ذات ثقل علي الساحة المسيحية مثل الدكتور رفيق حبيب الذي يعمل كمستشار للجماعة في عدد من الملفات والقضايا*. ‬
اللعب بورقة الأقباط
*< ‬وفي الاتجاه ذاته يجزم النائب البرلماني السابق جمال أسعد،* ‬بأن الإخوان يجيدون اللعب بورقة الأقباط وتحقيق أكبر استفادة ممكنة منها،* ‬وذلك علي الصعيدين الداخلي والخارجي،* ‬موضحاً* ‬أن تغيير الخطاب الإخواني تجاه الأقباط خلال العقود الثلاثة الماضية من دعوتهم جموع الأقباط لدفع الجزية ثم التأكيد علي أنهم شركاء في الوطن،* ‬وأخيراً* ‬دعوة كتلك التي أطلقها النائب مجدي عاشور،* ‬هي في إطار المراوغة السياسية،* ‬ويكفي للتدليل علي صحة هذا الكلام إصرار برنامج حزب الإخوان المزعوم علي استبعاد ترشيح قبطي* (‬أو امرأة*) ‬لرئاسة الجمهورية*. ‬
وفيما أن ظاهر دعوة النائب مجدي عاشور قد يعكس ـ علي حد زعمه ـ رغبة محمودة* "‬في احترام الحقوق المشروعة للأقباط المصريين*" ‬حسب الدستور والقانون،* ‬وترسيخ مبادئ الحوار والتفاهم معهم حتي لا تنقلب الأمور علي رأسها وتنتهي إلي* "‬تدخل خارجي*" ‬بحجة حماية الأقباط في مصر،* ‬فإنها تحمل أيضاً* ‬في طياتها تزييفاً* ‬واضحاً* ‬وفجاً* ‬للحقائق،* ‬إذ إن الإخوان أنفسهم هم الأولي بالحوار مع الأقباط،* ‬ومن ثم تحديد موقفهم بوضوح من مسألة شراكتهم للمسلمين وطناً* ‬وكياناً* ‬واحداً* ‬دون أي انتقاص في حقوقهم أو واجباتهم*. ‬فعلي مدار* ‬81 عاماً* ‬هي كل عمر جماعة الإخوان يبقي موقف أعضائها من مواطنة الأقباط موضع التباس،* ‬وهو ما يعود في جانب كبير منه إلي حالة التفاعل الداخلي في بنية الجماعة بين تيارات وأجيال متباينة،* ‬الأمر الذي جعل الموقف العام للجماعة تجاه الأقباط يفتقر إلي الاتساق،* ‬ويغلب عليه عدم الوضوح،* ‬وغياب القدرة علي حسم الخيارات الفقهية والسياسية تجاه الأقباط،* ‬هل هم في نظر الإخوان مجرد أهل كتاب يجب عليهم دفع الجزية،* ‬أم أنهم شركاء وطن لهم ما للمسلمين فيه من حقوق،* ‬ووجب عليهم نفس الالتزمات والمسئوليات*!. ‬
المثير في الأمر أن دعوة النائب الإخواني مجدي عاشور،* ‬تأتي ـ* ‬وكعادة الإخوان ـ علي النقيض من رأي قادة الجماعة الكبار فيما يخص موقفهم من الأقباط،* ‬ومن مسائل ترتبط بأحقيتهم في الترشح لمناصب الدولة العليا،* ‬كالرئاسة*.‬
الدكتور محمد حبيب النائب الأول لمرشد الإخوان،* ‬مايزال مصرا علي أن ترشيح قبطي للرئاسة* ‬غير جائز فقهيا وشرعيا،* ‬مؤكدا أن هذا الرأي لم ولن يتغير حتي بعد أن أعلن المحامي ممدوح رمزي،* ‬نيته الترشح لمنصب رئيس الجمهورية،* ‬موضحا أن الجماعة استقرت علي هذا الرأي بشكل نهائي استنادا علي أدلة فقهية،* ‬ومن يقول* ‬غير ذلك عليه أن يتحمل هو النتيجة*.‬
حبيب أضاف بأن الإخوان اتفقوا فيما بينهم في حال أن قرروا ترشيح أحد أعضاء الجماعة للرئاسة أو تم تأسيس حزب للإخوان قام بتدعيم مرشح،* ‬فلن يكون إلا ذكر مسلم،* ‬ولن يكون قبطيا أو امرأة*.‬
مضيفا* : ‬ولكن انطلاقا من إيماننا بمبدأ الديمقراطية القائمة فمن حق أي فصيل سياسي لاينتمي إلينا أن يرشح نفسه أيا كان دينه أو مذهبه أو جنسه،* ‬ولكننا لسنا ملزمين بتأييده أو دعمه*.‬
وردا علي أن المحامي ممدوح رمزي،* ‬لن يتعامل مع الإخوان في حال إن أصبح رئيسا طالما أنهم لم يغيروا من مواقفهم ومبدأ خلط الديني بالسياسي،* ‬أكد حبيب أن كل شخص حر في رأيه،* ‬لكنه فجر مفاجأة كبري بتأكيد،* ‬أنه في حالة أن اختار الشعب رئيسا قبطيا فإن الإخوان سيتعاملون معه أيا كان اسمه*.‬
محاولات للاستقطاب
الكاتب والباحث في شئون المواطنة،* ‬هاني لبيب،* ‬يعد من أكثر المشتغلين في تحليل رؤي المواطنة وقبول الآخر في مختلف الأطروحات والوثائق الإخوانية،* ‬وفي مقدمتها وثيقة فتح مصر*. ‬وفي هذا السياق يؤكد لبيب أن الوثيقة لم تكن بعيدة عن الأقباط بشكل أو بآخر*.. ‬وقد* ‬استطاع الإخوان من خلالها أن يثيروا العديد من اللغط وسوء الفهم المتعمد لحال الأقباط ومستقبلهم في إطار الزحف المنظم للجماعة تجاه كافة مناحي الحياة في مصر*. ‬
وكأولي الملاحظات المستقاة من الوثيقة يري لبيب أن جماعة الإخوان المسلمين والتي تطرح نفسها كجماعة سياسية قد بدأت في نهج جديد لاستقطاب الأقباط* (‬يتمثل في بعض مبادرات الحوار معهم خلال السنوات الماضية*) ‬رغم كونهم لا يمثلون جماعة سياسية علي* ‬غرارهم أو حزبا من جانب،* ‬كما أن الحوار بهذا الشكل سيصل في نهاية المطاف لمنطق المساومة لعدم التكافؤ من جانب آخر*.. ‬خاصة إذا كانت الجماعة هي صاحبة الطرح الفكري المتباين تجاه الأقباط*.‬
ثانياً*: ‬إن اتجاه جماعة الإخوان المسلمين للحوار مع الأقباط بهذا الشكل يتم فهمه بمنطقين،* ‬أولهما مغازلة الأمريكان عن طريق ورقة الأقباط،* ‬لتوصيل رسالة مفادها أن الجماعة يمكنها فتح قنوات اتصال إيجابية مع كافة فئات المجتمع* (‬خاصة الأقباط*) ‬بغض النظر عن اجتهاداتهم السابقة،* ‬وثانيهما أن الجماعة من واجبها التعامل مع أهل الذمة*.. ‬الرعايا الأقباط،* ‬وتسكين هذه المنطقة محلياً* ‬ودولياً* ‬تجنباً* ‬للنقد الدولي والهجوم من هذا المدخل علي الجماعة*.‬
ثالثاً*: ‬إن موقف جماعة الإخوان المسلمين من الأقباط خاصة عند بعض القيادات وعند الكوادر الصغيرة؛ يمكن تلخيصه في التأكيد* ‬– كتجربة* ‬شخصية* - ‬علي عدم معرفتهم بالأقباط وتاريخهم،* ‬وبالكنيسة ودورها الوطني*. ‬فالعديد منهم لا يفرق بين المسيحي المصري والمسيحي الأمريكي أو الإنجليزي،* ‬وبالتالي لا يُفرق بين المسيحية العربية والمسيحية الغربية*. ‬ولهذا يترجم كل الغضب تجاه الغرب الإمبريالي الذي يري فيه البعد الديني* (‬المسيحي*) ‬قبل أن يري فيه البعد الاقتصادي الرهيب وفي كل الأحوال يري في المسيحي المصري صورة التابع لهذه القوة الغربية المستبدة*.‬
رابعاً*: ‬إن مكانة الأقباط في أدبيات جماعة الإخوان المسلمين ما زالت تؤكد علي أن* "‬المواطنة*" ‬كمصطلح أو كمفهوم في أدبيات الحركة الإسلامية* ‬يُشير عند الكثيرين إلي المواطنة المكتسبة*.. ‬وهو ما يُمكن أن يؤدي إلي انتقاص في الحقوق*. ‬وفي الوقت ذاته فإن الاجتهاد الديني* (‬للإخوان وغيرهم*) ‬تجاه* ‬غير المسلم في مصر لا زال مضطرباً* ‬وغير ثابت،* ‬لأنه لم يتجاوز ــ في الكثير من الأحيان ــ فكرة إعادة إنتاج الخطاب الإسلامي التقليدي*.. ‬اللهم إلا في طرح بعض المفاهيم الحديثة كشكل بعيداً* ‬عن المضمون وعن الواقع العملي،* ‬وعلي سبيل المثال*: ‬المواطنة ـ التعددية ـ الديمقراطية*.‬
وأخيراً* ‬يلفت هاني لبيب النظر إلي أن فهم دلالات الوثائق والأطروحات الإخوانية فهماً* ‬دقيقاً* ‬كاشفاً* ‬لا يتحقق أبداً* ‬دون رصد كافة التصريحات الصحفية التي يطلقها قادة الجماعة وأعضاؤها تعليقاً* ‬علي تلك الوثائق،* ‬ومثال علي ذلك ما حدث في برنامج حزب الإخوان الأخير،* ‬والذي حمل نبرة تصالحية بشكل لافت مع الأقباط،* ‬غير أن تعليقات المرشد العام للجماعة،* ‬مهدي عاكف،* ‬ونائبه،* ‬محمد حبيب،* ‬وغيرهما،* ‬قد كشفت الوجه الحقيقي للإخوان والذي دوماً* ‬يظهر عكس ما يضمر*.‬
ولفهم أكثر لعلاقة الإخوان النفعية بالأقباط يتطلب الأمر تقديم لمحة سريعة لأهم الركائز التي حددت تلك العلاقة،* ‬وساهمت في جعل الأقباط في مرمي نيران الإخوان وسهامهم المسمومة علي مدار ثمانية عقود كاملة*. (‬تم الاعتماد في عرض هذه اللمحة بشكل أساسي علي أطروحة بحثية بعنوان* "‬أزمة الإخوان المسلمين*" ‬صادرة عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية مطلع هذا العام،* ‬أعدها عدد من المشتغلين في مجالات المواطنة والإسلام السياسي،* ‬ومن بينهم الباحث في الشئون السياسية،* ‬سامح فوزي،* ‬الذي يقدم مبحثاً* ‬بعنوان*: ‬الإخوان المسلمون والمواطنة*.. ‬قراءة في الموقف من الأقباط*«.‬
نظرة طائفية
في البداية يجب الإشارة هنا إلي أنه وبالرغم من أن المرشد المؤسس لجماعة الإخوان المسلمين،* ‬الشيخ حسن البنا،* ‬كان حريصاً* ‬علي نفي أية اتهامات بالطائفية تطول جماعته،* ‬ومن ثم سعي للتقرب إلي الأقباط نوعا ما،* ‬إلا أنه لم يسمح بأن تتحول الجماعة أبداً* ‬إلي تنظيم مدني عضويته مفتوحة لكل المصريين دون تمييز بسبب الدين أو العقيدة*. ‬كما تكشف كتابات منظر الإخوان الأول،* ‬سيد قطب،* ‬عن نظرة ضيقة وطائفية* ‬لأقصي درجة تجاه الأقباط،* ‬فنجدها تخلط بين العلمانية التي يرفضها ويمقتها بوصفها تعبيراً* ‬عن الجاهلية،* ‬وبين المسيحية التي يصمها بالشرك*: "‬تدخل فيه* (‬أي المجتمع الجاهلي*) ‬المجتمعات اليهودية والنصرانية في أرجاء الأرض جميعاً*...".. ‬كما يقول المرشد الثاني للإخوان المستشار حسن الهضيبي في كتابه* (‬دعاة لا قضاة*): "‬إن الحكومة الإسلامية أو الإمام الحق إنما هي الحكومة التي تتخذ الإسلام ديناً* ‬وتقوم علي أحكام الشريعة وحراسة الدين*" ‬ويبدو هنا بوضوح تأثره برسائل التعاليم للبنا الذي أقر فيها إسلامية الحكومة والقيادة*.‬
وتنظر أدبيات الإخوان دوماً* ‬للأقباط لا باعتبارهم شركاء وطن ومصير،* ‬وإنما أقلية دينية،* ‬تساند* "‬الأطماع الصليبية الاستعمارية والتبشيرية،* ‬فيقول سيد قطب مثلاً*: "‬ففي مصر مثلاً* ‬يعد رجل كجورجي زيدان منشيء دار الهلال،* ‬ورجل كسلامة موسي الكاتب الصحفي،* ‬رسولين مهمين للتبشيرية*. ‬يجدان في* ‬غفلة المصريين والشرقيين ــ بما في ذلك أصحاب الصحف والقراء ــ مجالاً* ‬طيباً* ‬للعمل الذي لا تنهض به جمعيات تبشيرية كاملة باسم الثقافة والأدب والصحافة*".‬
ناهيك عن التصريح الخطير الذي أدلي به المرشد الراحل،* ‬الحاج مصطفي مشهور،* ‬وجاء فيه نصاً*: "‬علي الأقباط أن يدفعوا الجزية كبديل عن عدم التحاقهم بالجيش،* ‬نظراً* ‬إلي أن جيش الدولة الإسلامية هو عماد الدولة،* ‬ولو حارب دولة مسيحية فيمكن أن ينحاز المسيحيون الذين في صفوفه إلي جيش الأعداء*". ‬هذا إلي جانب سيل الفتاوي المثيرة للجدل الذي دأب مفتي جماعة الإخوان الشيخ محمد عبدالله الخطيب علي إطلاقها رغم ما تحمله من نظرة* ‬غير منصفة للأقباط،* ‬ولعل أشهرها علي الإطلاق تلك التي تعرف* "‬بحكم بناء الكنائس في دار الإسلام*".. ‬حيث يقول الخطيب*: "‬الحكم علي ثلاثة أقسام*: ‬الأول بلاد أحدثها المسلمون وأقاموها كالمعادي والعاشر من رمضان وحلوان*. ‬هذه البلاد وأمثالها لا يجوز فيها إحداث كنيسة ولا بيعة*. ‬والثاني ما فتحه المسلمون من البلاد بالقوة كالإسكندرية بمصر والقسطنطينية بتركيا*.. ‬فهذه أيضاً* ‬لا يجوز بناء هذه الأشياء فيها*. ‬وبعض العلماء المسلمين قال بوجوب الهدم لأنها بلاد مملوكة للمسلمين*. ‬والقسم الثالث ما فتح صلحاً* ‬بين المسلمين وبين سكانها*. ‬والمختار هو إبقاء ما وجد بها من كنائس* ‬في وقت الفتح ومنع بناء وإعادة ما هدم منها*".‬
تلك كانت أمثلة للنظرة الإخوانية الطائفية تجاه الأقباط في مراحل مختلفة،* ‬وعلي الرغم من أن السنوات القليلة الماضية قد شهدت تحولات إيجابية نوعا ما في هذه النظرة،* ‬لكنها لا تزال في إطار التنظير لا التطبيق والعمل علي أرض الواقع،* ‬ولايزال* ‬الإخوان في حاجة ماسة لمراجعات فكرية شاملة تحسب الوطن والمواطنة فوق مصالحها الخاصة والضيقة،* ‬وتبتعد بها عن المزايدات المملة التي من شاكلة دعوة الحوار التي أطلقها النائب الإخواني*[center]